ويقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتنا ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم
وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيداً يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلةمن حرير فيهامن أنواع الصور ثم يأتون بشاه وبقرفيذبحونها قرباناً للشجرة , ويشعلون فيها النيرانبالحطب , فإذا سطع دخان تلكالذبائح وقتارها فيالهواء وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خروسجداً يبكون ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم. فكان الشيطان يجيء فيحرك أغصانها ويصيح من
ساقها صياح الصبي أن قد رضيت عنكم عبادي
فطيبوا نفساً وقروا عيناً. فيرفعون رؤوسهم عند ذلك
ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف ويأخذون
الدستبند – يعني الصنج – فيكونونعلى ذلك يومهم
وليلتهم ثم ينصرفون. وسميت العجم شهورها
إشتقاقاً من تلك القرى.
حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى إجتمع إليها صغيرهموكبيرهم فضربواعند الصنوبرة والعين سرادقاً منديباج عليه منأنواع الصور وجعلوا له اثنا عشر باباًكل باب لأهل قرية منهم ويسجدون للصنوبرة خارجاًمن السرادق ويقربون لهاالذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم.
فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكاً
شديداً ويتكلم من جوفها كلاماً جهورياً ويعدهم
ويمنيهم بأكثر مما وعدتهمومنتهم الشياطين كلها
فيحركون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح
والنشاط ما لا يعيقون ولا يتكلمون من الشرب
والعزف فيكونون على ذلك اثنا عشر يوماً لياليها بعدد
أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون.
فلما طال كفرهم بالله عز وجل
وعبادتهم غيره , بعث الله نبياً من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب , فلبث فيهم زماناً طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل ومعرفة ربوبيته , فلايتبعونه. فلما رأى شدة تماديهم في الغي وحضر عيد قريتهم العظمى ,
قال: يا رب ان عبادك أبوا إلا تكذيبي وغدوا يعبدونشجرة لا تضر ولا تنفع , فأيبس شجرهم اجمع وأرهم قدرتك وسلطانك. فأصبح القوم وقد أيبس شجرهم كلها , فهالهم
ذلك , فصاروا فرقتين ,
فرقة قالت: سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السماء والأرض إليكم ليصرف
وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه.
وفرقة قالت: لا , بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويدعوكم إلى عبادة
غيرها فحجب حسنها وبهاؤها لكي تغضبوا لها. فتنصروا منه وأجمع رأيهم على قتله , فاتخذوا أنابيب طوالا ونزحوا ما
فيها من الماء , ثم حفروا في قرارها بئراً ضيقة المدخل عميقة وأرسلوا فيها نبيهم , وألقموا فاها صخرة عظيمة , ثم
أخرجوا الأنابيب من الماء وقالوا: نرجوا الآن أن ترضى عنا آلهتنا إذا رأت إنا قد قتلنا من يقع فيها ويصد عن عبادتها
ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان.
فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم عليه السلام وهو يقول: سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي , فارحم ضعف
ركني , وقلة حيلتي , وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي , حتى مات. فقال الله جل جلاله لجبرئيل عليه
السلام : أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو
يخرجوا من سلطاني كيف وأنا المنتقم ممن عصاني ولم يخش عقابي , وإني حلفت بعزتي لأجعلنهم نكالاً وعبرة
للعالمين.
فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديد الحمرة , فتحيروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم إلى بعض , ثم
صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة سوداء , فألقت عليهم كالقبة جمراً يلتهب , فذابت أبدانهم
كما يذوب الرصاص بالنار.
فنعوذ بالله تعالى من غضبه ونزول نقمته ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
أصحاب الرس هم على قول
ابن عباس أهل قرية من قرى ثمود و الرس الذي نسبوا إليه هو بئر في أذربيجان و سمي
هذا البئر برس لإنهم رسوا نبيهم فيه -أي أغرقوه فيه ودفنوه- و هم قوم نبي يقال له حنظلة بن صفوان كذبوه و قتلوه
فأهلكهم الله وكانوا عبّاد لشجرة صنوبر غرسها يافث بن نوح تسمى شاهدرخت و هم قوم ذكرهم الله عز و جل في سورةالفرقان و سورة ق